اللغة العَربية بشكلٍ عام هي مِن أقوى اللغات وأصعَبها في العالم؛ إذ تتحدّث شعوب العالم ما يقارب من 2650 لغة و7 آلاف لهجة محليّة، وتعدّ اللغة العربيّة أصعب لغات العالم وتليها الصينية ( “ما هي أصعـب لغـة في العـالم؟”، جريدة الوطن، 12-9-2012)
وكما هو معروف ومتداول فاللغة العربية غنية جدًا بمفرداتها وتعبيراتها التي لا حصر لها وهنا يأتي الخط ليبرز معاني هذه الكلمات الجميلة ويظهر جمال الثقافة الآتية منها.
فالخط هو فن تصميم وهندسة الأحرف في مختلف اللغات ففي كل لغة يوجد تشكيل يميز أحرفها ويبرز ثقافتها. وتتميز الكتابة العربية بأن أحرفها متصلة مما يجعلها قابلة لاكتساب أشكال هندسية مختلفة من خلال المد والرجع والاستدارة والتزوية والتشابك والتداخل والتركيب. ويقترن فن الخط بالزخرفة العربية حيث استعمل لتزيين المساجد والقصور، كما أنه يستعمل في تحلية المخطوطات والكتب وخاصة نسخ القرآن الكريم. و قد شهد هذا المجال إقبالًا من الفنانين المسلمين بسبب نهي الشريعة عن تصوير البشر والحيوان خاصة فيما يتصل بالأماكن المقدسة والمصاحف.
وهنالك العديد من الآراء حول نشأة الكتابة العربية، وقد حكي عن ابن عباس أن أول من كتب بالعربية هو نبي الله إسماعيل بن إبراهيم الخليل على لفظه ومنطقه، ويقال أن الله أنطقه بالعربية المبينة وهو ابن أربع وعشرين سنة. وروى مكحول الهذلي أن أول من وضعوا الخط والكتابة هم نفيس ونضر وتيماء ودومة من أولاد إسماعيل بن إبراهيم، وأنهم وضعوها متصلة الحروف بعضها ببعض حتى الألف والراء، ففرقها هميسع وقيدار وهما من أولاد إسماعيل. وقال برهان الدين الحلبي في كتابه السيرة الحلبية أن أول من كتب بالعربية من ولد إسماعيل هو نزار بن معد بن عدنان. وقال أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي أن أول من وضع الخط هم بنو المحصن بن جندل بن يعصب بن مدين، وكانوا قد نزلوا عند عدنان بن أد بن أدد وأسماؤهم أبجد وهوز وحطى وكلمن وسعفص وقرشت، فلما وجدوا حروفًا ليست في أسمائهم ألحقوا بها وسموها الروادف وهي الثاء والخاء والذال والضاد والظاء والغين، والتي مجموعها (ثخذ ضظغ)، فتمت بذلك حروف الهجاء.
ولم يصل الخط إلى ما هو عليه الآن إلا بعد أن مر بأربع مراحل، الأول: الدور الصوري المادي، الثاني: الدور الصوري المعنوي، الثالث: الدور الصوري الحرفي، الرابع: الدور الحرفي الصَّرْف. قضى الإنسان قرونًا عديدة لا يعرف الكتابة لاستغنائه عنها لما كان فيه من بساطة العيش، ولمّا اتجه الإنسان نحو المدنية بدأ في التعبير عن أفكاره واحتياجاته بالرسم، وهي الكتابة الصورية، وأشهر هذه الصور هي الكتابة الهيروغليفية.
يعود أصل الكتابة المعروفة الآن إلى وادي النيل بشكل الصور الهيروغليفية، ثم حولها الفينيقيون إلى حروف هجائية، وعلموها اليونانيين في القرن السادس عشر قبل الميلاد؛ ثم انتقلت للآشوريين بعد ذلك، وعرفت بالحرف الآرمي، ومن الحرف الآرمي أُشتقت الخطوط التي تُكتب بها اللغات الشرقية، وأكثرها انتشارًا الخط العربي ( تاريخ الخط العربي وآدابه صفحة 19 -25)
أشهر أنواع الخطوط العربية هي:
الخط الكوفي: ظهر في الكوفة على يد الخطاط الإسلامي ابن مقلة، ويعتبر أصل الخطوط العربية كلّها، وأصله أخذ من الخط المسماري الذي كانت الكتابة به شائعة في تلك المنطقة.
خط النسخ: وهو الخط الذي كان يستخدمه الخطاطون في نسخ القرآن الكريم.
خط الرقعة: ابتكره العثمانيون، وهو الخط الذي يستعمل في الكتابة العادية، نظراً لسهولته.
خط الثلث: يستخدم في كتابة الآيات القرآنية، وأسماء الكتب، والزخارف المعمارية.
الخط الفارسي: ابتكره الفرس، ويستخدمه كلّ من الأفغان والهنود.
الخط الديواني: ابتكره العثمانيون، وقد استخدموه في الكتابة في دواوين الملوك.
لكل حضارة ولغة ثقافة خط تميزها ومن هنا جاءت ضرورة تعلمه فقد مر الخط العربي بالكثير من الاكتشافات والتحولات ولازال جماله ينضح لا ينضب ولهذا يجب على كل فرد عربي أن يتفنن ويفتن به فالخط ضرورة ثقافية تميز كل حضارة وكل شعب. وقد قال غاندي عنه وهو يشكي الحال
“لست أدري من أين تسرب إلى ذهني أن الخط الجميل ليس جزءًا أساسيًا من الثقافة، ولكني بقيت محتفظًا بهذه الفكرة حتى ذهبت إلى إنكلترة. وحين رأيت فيما بعد، وخاصة في جنوبي إفريقية، جمال خط المحامين والشبان الذين ولدوا وتلقوا علومهم في جنوبي إفريقية، خجلت من نفسي وندمت على إهمالي. لقد رأيت أن سوء الخط يجب أن يعتبر علامة من علامات الثقافة الناقصة. وحاولت منذ ذلك الحين أن أحسن خطي، ولكن بعد فوات الأوان. فلم يكن في ميسوري قط أن أصلح الإهمال الذي فرط في عهد الشباب. فليتعظ كل شاب و كل شابة بما أصابني، وليفهم أن الخط الجميل جزء ضروري من الثقافة. وأنا اليوم من الذين يعتقدون بأن الأطفال يجب أن يعلموا فن الرسم قبل أن يتعلموا كيف يكتبون. دع الطفل يتعلم أحرفه بالملاحظة، كما يتعلم أشياء مختلفة، كالأزهار، والأطيار، إلخ. على ألّا يتعلم الخط إلا بعد أن يتعلم كيف يرسم الأشياء. إن خطه خليق بأن يصبح، عندئذ، بارعاً جميلاً.”
( موهانداس كرمشاند غاندي (1869-1948) سياسي بارز وزعيم روحي للهند خلال حركة استقلال الهند، المعروف بلقب (المهاتما غاندي)، صاحب مبدأ اللاعنف. في كتابه (قصة تجاربي مع الحقيقة)، من ترجمة (منير البعلبكي)، يقول بأنه لا يزال يدفع ثمن إهمال، الاهتمام بجمال الخط)
كتابة: فائزه محمد الكبش
انستقرام: ifaya.m
تدقيق: رهف حاج عيسى
انستقرام: Rahaf-r